القوى الطّامحة للتّغيير وقواعد “اللعبة” السّياسية
سند أبو حسان: أجد أن القوى الطامحة للتغيير "دعاة الإصلاح" - على اختلاف مشاربهم الفكرية، بينهم من التباينات أكثر مما خُيّل للبعض من تفاهمات
ليس من السّهل إطلاقًا إحداث “شق” وصولًا للطبقة السياسية الحاكمة ومراكز القوى والتأثير عليها حتى تقوم بتغيير قواعد “اللعبة” السياسية، فمطابخ صُنع القرار تعي مصالحها وتُدرك إرهاصات توسيع قاعدة المشاركة الشعبية والفتح الحذر للأبواب الموصدة أمام العامّة للإشتباك مع الحالة الوطنية – بقضّها وقضيضها – في ضوء تأثيرات التّحولات الجيوسياسية وانعكاساتها على أي مشهد داخلي مرتقب. فقد تسعى الإدارة العامة – بين الفينة والأخرى – ، بتناقضاتها المعبّرة عن صراعات مراكز القوى، لتضييق “المُمكن” من تجاذبات واستقطابات تحت حجج وذرائع، منها الواهية وأخرى تُعبّر حقًا عن مصالح الدولة العليا والتي من الصعب تداركها في حال قُدّمت “تنازلات” حيالها.
ولكن، وبموقع الناظر المتابع لمعتركات الفضاء العام ومالات مشروع “تحديث المنظومة السياسية” ، أجد أن القوى الطامحة للتغيير “دعاة الإصلاح” – على اختلاف مشاربهم الفكرية – من إسلاميين وليبراليين ويساريين ومجاميع التيارات والفعاليات الشعبية وتلك المؤطرة مهنيًا، بينهم من التباينات أكثر مما خُيّل للبعض من تفاهمات على ضوء المخرجات “التوافقية” للجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية. فالأهم والأجدى قراءة “إحداثيات” هذه القوى من قضايا جوهرية تُعنى بالمواطنة والحريّات الشخصية والرؤى الاقتصادية المستقاة من جذورها الفلسفية والسياسية وصولًا للهُوية وحتى مستوى الدور الأردني المطلوب في شبكة علاقاتها الدولية المعقدة وصولًا لموقفها حيال “الحقوق والواجبات والامتيازات” المترتبة عليها.
شهدنا مثلًا بوادر عديدة رامية لردم هذه الهوّة نتج عنها اندماجات وقد يترتب عليها ائتلافات انتخابية عابرة للتيارات الأيدولوجية في المرحلة القادمة، ولكن هل بمقدور ما سبق من شحذ همم البنى الموحدّة “تنظيميًا” لتجاوز ارباكات الصف الواحد والولوج في مسار الاستحقاقات المقبلة على أرضية ثابتة بعيدًا عن المناكفات البائسة؟ فمن يطمح للتأثير على مراكز القوى والضغط تجاه دورٍ له في تشكيل ملامح “اللعبة” السياسية المحدّثة يجب عليه أن يتجاوز ما يسود على منطق العمل الجماعي من اختلالات غير مجدية على صعيد المصلحة الوطنية.
فالأحزاب السياسية التي تسعى لأن ترتقي لمستوى اللحظة التاريخية هي التي تبادر لتعزيز أواصر وحدة وترابط البيت الداخلي وتماسكه قبيل أن يصعد على قطار الاستحقاقات المقبلة، وتُخضِع مشوارها – طال أم قصُر – لمراجعاتٍ دورية وتدفع باتّجاه إطلاق حواريات “جس النبض” داخل حدود الحزب الواحد حول تلك القضايا الجوهرية ذاتها التي تختلف عليها سائر التيارات الأيدولوجية حتى يتسنّى للحزب معالجة تلك التباينات – ولو جزئيًا – وإلّا اتّسعت الفجوة واحتدّ الإنقسام .
سند أبو حسان، محامي ومهتم بالشأن العام
يمثل هذا المقال آراء الكاتب ولا يعكس بالضرورة الموقف التحريري لمنصة شيزوميديا