Uncategorizedمساحتنا

حماية أم وصاية؟

هل يمكننا أن نثق بخطاب يدّعي حماية المرأة، لكنه يصمت عن العنف الذي يُمارس ضدها كل يوم؟

منع المرأة من السفر دون مَحرَم، أو دون إذن وليّ الأمر، وربط زواجها كمواطنة بالغة بموافقة رجل وصي عليها!
هذه العبارات ليست مجرّد آراء شخصية، بل هي سياسات دول، وقوانين تشريعية، يقابلها خطابات تشجيعية وتأييدية من بعض النواب والمسؤولين والشخصيات الدينية، وتُقدَّم في كثير من الأحيان كنوع من “الحرص” على المرأة و”حمايتها”. لكنها في جوهرها تعبّر عن رؤية ترى في المرأة كائناً قاصراً، عاجزاً عن اتخاذ القرار، وتربط أهليتها بوجود رجل يوافق أو يأذن.
ما تزال ملايين النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خاضعات لأنظمة وقوانين تُقيّد حريتهن في التنقل والسفر والعمل، وحتى في اختيار مكان الإقامة. بحسب تقرير هيومن رايتس ووتش الصادر في يوليو 2023، “تُمنع النساء في عدد من هذه الدول من مغادرة منازلهن أو السفر خارج البلاد دون إذن من وليّ أمر ذكر، ما يشكّل انتهاكاً لحقوقهن ويلغي استقلاليتهن وكرامتهن”.
في الجزائر، على سبيل المثال، يمكن للزوج منع زوجته قانوناً من العمل. في ليبيا، قد تُرفض طلبات إصدار جوازات السفر للنساء دون موافقة “الولي”، وفي اليمن والسودان، تحتاج النساء إلى إذن رسمي للسفر. أما في قطر، فتُمنع النساء تحت سن 25 من السفر دون إذن وليّ الأمر. وما يثير الإحباط أكثر أنه حتى بعد أن ألغت بعض الدول هذه القوانين مثل السعودية، إلّا أنه لا تزال الممارسات الاجتماعية تُبقي القيود فعالة على أرض الواقع.

التسلط والتحكم مغلَّفان بشعار “الحماية”
الخطاب السائد يُسوِّق لهذه الأنظمة كإجراءات “لحماية المرأة”، بينما هي في الواقع تُستخدم للسيطرة على قراراتها وتقييد قدرتها على التحرك بحرية. يلي القوانين والأنظمة خطابات شعبوية وجدت في مستمعيها التربة الخصبة والثقافة المشبّعة بالتمييز والتفريق لتكون النتيجة منع نساء كثيرات من مغادرة منازلهن لحضور الفعاليات، الدراسة، العمل، السفر، أو حتى الهروب من العنف المنزلي! إذ حتى لو لم يكن هناك قانون مباشر، تدعم الأعراف الاجتماعية السائدة هذه الممارسات، فما بالكم لو كان هنالك قوانين تعطي الرجل سواء كان زوجاً أو أباً أو حتى ابناً سلطةَ تقريرِ مصيرِها. ليتم استخدامُ هذه الصلاحيات كأدواتٍ للعقاب.

الخطاب الشعبوي أخطر من القانون نفسه
كما أُشير إليه سابقاً المشكلة لا تكمُن في السياسات وحدها، بل في الخطابات التي تُجملها وتقدمها للشعوب على أنها بها خيرٌ وصلاح للمجتمعات. كما نرى في الفيديو التالي نائب أردني يدافع عن فكرة زواج القاصرات ويدغدغ بها مشاعر الناس الدينية والعقدية، يتبعه مقطع لشيخ يُعزّز الطرح نفسه.
هذا النوع من الخطاب لا ينطلق من دراسة الواقع أو من رغبة في حماية النساء فعليًا، بل من محاولة استثمار ثقافة الوصاية لتثبيت النفوذ السياسي أو كسب جمهور محافظ يعارض فكرة تمكين المرأة. إنه خطاب يُخاطب العاطفة، لا العقل، ويُعيد إنتاج فكرة أن المرأة لا تصلح لأن تقرر مصيرها.

تناقض أم استغفال!
المفارقة أن أصحاب هذه الخطابات لا يظهرون نفس الحماسة عندما يتعلق الأمر بوضع قوانين لحماية المرأة من الانتهاكات الفعلية، مثل العنف الأسري، أو التحرش، أو جرائم “الشرف”. فالأرقام لا تخبرنا أن المرأة محميّة وآمنة! وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، واحدة من كل ثلاث نساء أي حوالي 736 مليون امرأة، تتعرض أثناء حياتها للعنف البدني أو الجنسي، ومع ذلك، لا تُعدّ هذه القضايا أولوية لدى أصحاب الخطابات الشعبوية.
الخطابات التي تدّعي حماية المرأة من خلال السيطرة عليها ليست سوى أدوات لفرض الأبوية من جديد، ولكن هذه المرة بلباس سياسي أو ديني. هي لا تحمي المرأة، بل تجرّدها من حقها في اتخاذ القرار، في التنقّل، في العيش بحرية وكرامة. إنها لا تُشرّع الحماية، بل تُشرّع القمع.
يبقى السؤال… هل يمكننا أن نثق بخطاب يدّعي حماية المرأة، لكنه يصمت عن العنف الذي يُمارس ضدها كل يوم؟
أم أن الحماية الحقيقية تبدأ عندما نُسقط سياسات الوصاية، ونعيد للمرأة إنسانيتها الكاملة، والمُستحقة

للمزيد, شاهدوا الحلقة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
arArabic