مساحتنا

الرابط العجيب بين أرطغرل، وترامب، ونائب أردني!!

هل نحن مستعدون لنُفرّق بين من يخاطب وعينا، ومن يخاطب ضعفنا؟


ما الرابط العجيب بين دونالد ترامب، ومسلسل أرطغرل، ونائب أردني تحت قبة البرلمان؟
قد يبدو السؤال أقرب إلى لغز غير مترابط. لكن ما إن تتأمل المشهد جيداً، حتى تبدأ ملامح هذا الرابط في الظهور، كخيط رفيع يربط بين السياسة، والدراما، وخطابات آخرى.
ثلاث حالات، من ثلاث بيئات مختلفة، تُحركها عبارات رنانة، ومشاعر جياشة، ورسائل مشحونة لا تخاطب المنطق، بل تنفذ مباشرة إلى الغضب الساكن في النفوس. والنتيجة؟ حالة من الانبهار والاندفاع، لا تستند إلى تحليل أو تفكير نقدي، بل إلى الإحساس الغريزي بأن “هذا الكلام حقيقي… لأنه يشبه وجعي”.
فمثلاً شعار دونالد ترامب: “Make America Great Again” إنه ليس خطة اقتصادية، ولا رؤية سياسية، بل وعد غامض، موجّه لمن يشعرون بأن شيئاً ما سُرق منهم. هذا الشعار لم يكن بحاجة لتفاصيل، بل كان كافياً ليُشعل حماسة الملايين، تماماً كما فعلت خطابات ترامب عن “إعادة الله إلى المدارس”، والتي خاطبت وجدان اليمين الديني، لا عقله.
أما في بريطانيا، فقد رفع دعاة البريكست شعاراً بسيطاً بدا للوهلة الأولى أنه يُلخص كل شيء: “We want our country back” شعار موجز، لكنه محمّل بالشحن العاطفي. خاطب مشاعر شريحة واسعة من البريطانيين الذين سئموا الحوارات السياسية المعقدة والعقيمة بين الأحزاب التقليدية، وأرادوا شيئاً مباشراً وسهل الفهم. لكن ما إن تحاول فهم هذا الشعار، حتى تبرز الأسئلة الحقيقية: من الذي أخذ البلاد؟ وكيف يمكن استعادتها؟
لا إجابات واضحة، ولا حاجة لها في الحقيقة. فهدف هذا النوع من الخطاب ليس تقديم رؤية أو حلول، بل إثارة الحنين، وتغذية الإحباط، وتفجير الغضب. إنه تحفيز مبني على الغموض المتعمد، حيث تكمن فعاليته في قدرته على توليد شعور بالظلم دون أن يحدد الظالم.
لعبة المشاعر
تبدأ العبارات الحماسية في الهيمنة، ويبدأ الخلط بين من يتحدث باسم الناس، ومن يتاجر بهم. بين “من يمثل أنه يشبههم”، و”من يستغل شبهه بهم”. وهنا يظهر الفرق بين ما هو نابع من الناس، وبين ما يُستخدم ضدهم.
الشعبية مقابل الشعبوية
كثيراً ما يختلط على الناس التمييز بين ما هو “شعبي” وما هو “شعبوي”.
لذا تجدر الإشارة إلى أن الخطاب الشعبي ينبع من الناس أنفسهم، من وعيهم وتجربتهم وثقافتهم المتراكمة، وقد يكون في ظاهره بسيطاً، لكنه يحمل حكمة تشكّلت عبر الزمن وتخدم المستقبل.
أما الخطاب الشعبوي، فهو يستهدف مشاعر الناس لا وعيهم، ويقدّم وعوداً جذابة بلا حلول، ويستغل اللحظة بدل أن يبني عليها.
شعبوية مسلسل أرطغرل
لم يكن مسلسل أرطغرل مجرد دراما تاريخية، بل نموذجاً لبطولة مصمّمة بدقة، ترضي النزعة القومية، وتُحرّك الذاكرة الدينية، وتستحضر أعداء الأمس بطريقة تسحبها إلى صراعات اليوم. إنه منتج ثقافي وسياسي، مغلف بإبهار بصري وجرعة كبيرة من النقاء الأخلاقي، الذي لا يُوجد إلا في القصص الخيالية.
من الأخطر، من ينشر الخطاب، أم من يصدّقه؟
في هذا السياق، يتضح أن الخطر لا يكمن في صاحب الخطاب فقط، بل في من يتلقاه ويُصدّقه. فكل خطاب مضلل يحتاج من يروّج له، لكنه أيضاً يحتاج من يستهلكه دون مساءلة.
في استطلاع رأي عبر خاصية ستوري على مواقع تواصل منصة “شيزوميديا” سُئل الناس: من الأخطر، من ينشر الخطاب الشعبوي، أم من يصدّقه؟ وكانت الأغلبية ترى أن من يُصدّق هو الأخطر. لأنه هو الذي يمنح هذا الخطاب القوة، ويمنحه الشرعية، بل وينقله لغيره.
في النهاية يبقى السؤال الأهم:
هل نحن مستعدون لنُفرّق بين من يخاطب وعينا، ومن يخاطب ضعفنا؟

للمزيد, شاهدوا الحلقة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
arArabic