الخطاب الشعبوي على السوشال ميديا
لأن السوشال ميديا أصبحت ملعبًا مثاليًا لمن يجيد تحريك العواطف وتغليف القضايا بمبالغات درامية وشعارات جذّابة.

الشعبوية تلعب بخوارزمياتك
في عالمٍ تحكمه الخوارزميات، لم يعد انتشار الأفكار مرتبطًا بقيمتها، بل بقدرتها على إثارة المشاعر. وهنا وجدت الشعبوية فرصتها الذهبية.
خطاب يقوم على التبسيط والإثارة والانقسام، يتناسب تمامًا مع ما “تحبّه” خوارزميات السوشال ميديا: محتوى سريع، مشحون، ومثير للجدل. لا يطلب منك أن تفكّر، بل أن تغضب. لا يسعى إلى الإقناع، بل إلى الاستقطاب. وبين من يدّعي تمثيل الناس، ومن يروّج لمؤامرات مستمرة، تضيع الحقيقة… ويكسب من يجيد الصراخ أكثر.
ليست الشعبوية ظاهرة جديدة، لكنها اليوم تتخذ شكلًا أكثر تغلغلاً وتأثيرًا بفضل منصات التواصل الاجتماعي. لأن السوشال ميديا أصبحت ملعبًا مثاليًا لمن يجيد تحريك العواطف وتغليف القضايا بمبالغات درامية وشعارات جذّابة.
خطابهم لا يعتمد على إقناعك، بل على استفزازك. فإذا كنت غاضبًا، أعطوك عدوًا؛ وإذا كنت خائفًا أو محبطاً وعدوك بجنة عرضها السماوات والأرض. هذه الديناميكية ظهرت جلية في خطابات كثيرة لنواب ومرشحين ورجال دين، يصوّرون تهديدات مصيرية للأمة والأسرة والدين، وكأننا نعيش على حافة الانهيار.
مرتكزات الشعبوية الرقمية
الشعبوية الرقمية ترتكز على ثلاث عناصر رئيسية: التبسيط الزائد، السرد العاطفي، وصناعة حالة طوارئ مزيفة. هي خطاب لا يترك لك مساحة للتفكير أو التساؤل. كل شيء عاجل. الخوارزميات تعزز هذا النمط، لأنها تكافئ المحتوى الصادم، القصير، والمثير للجدل، حتى لو كان مضرًا بالوعي العام.
لكن ما الخطر الحقيقي؟ أنه مع الوقت، لا نكتفي بتلقي الخطاب الشعبوي، بل نبدأ بالتفكير بطريقته. نميل لتصديق ما يوافق مشاعرنا لا عقولنا، ونبحث عن إجابات فورية. في هذا السياق، تتحول السوشال ميديا من ساحة حوار إلى ساحة معركة، يغيب فيها القانون والمنطق، وتعلو فيها الأصوات الجمعية.
ورغم أن بعض أنصار الشعبوية يرون فيها “صوت الناس”، فإن الحقيقة أن هذا الصوت يُستخدم أحيانًا لتحقيق أهداف ضيقة مثل سلطة، شهرة، أو حتى الفوضى.
إذاً ليست المشكلة فقط في الخطاب الشعبوي، بل في تقبّله دون مساءلة. فهل نحن مستعدون لمواجهته؟
والسؤال الأهم: هل نملك من الوعي ما يكفي حتى لا نكون أدوات في يد من يتقن دخول عقولنا من باب العاطفة والحميّة؟
للمزيد, شاهدوا الحلقة