كبار السن.. والوفاء وكرامة العيش
سمر حدادين: إن كان الشباب يقومون اليوم برعاية كبار السن فإنهم بالغد سيحصلون على الرعاية الكريمة
الأردن من الدول التي يشكل الشباب فيها النسبة الأكبر، لكن خلال السنوات القليلة الماضية، بدأت تزداد نسبة كبار السن، حيث وصلت إلى قرابة 5,4%، وهذه النسبة مرشحة للزيادة، وذلك ناجم عن تحسن مستوى الرعاية الصحية لكبار السن الذي يؤدي إلى ارتفاع العمر المتوقع للحياة، بالإضافة إلى انخفاض معدل الإنجاب.
هذه الأرقام لها دلالات ولا ينبغي تجاهلها، أو الانتظار لتظهر نتائجها، فنكون عندها أسيرين ردات الفعل والمعالجة السريعة، وهو ما يمنعنا من تلافي حدوث تبعات من الصعب مواجهتها.
من حق المواطنين كبار السن أن يحصلوا على حياة كريمة يتوفر بها ما يساعدهم على مواجهة تحديات التقدم بالسن، وأهمها الرعاية الاجتماعية والنفسية، هذه الرعاية غير المدفوعة الأجر، والتي عادة ما تقوم بها أسرة كبير أو كبيرة السن، أصبحت غير متاحة لكثيرين من كبار السن بسبب صعوبة الحياة والظروف المعيشية التي تواجهها أسرهم، وهو ما أدى إلى تراجع مستوى الرعاية الاجتماعية والنفسية، في ظل ندرة البدائل لدى الأسرة التي لديها كبير أو كبيرة السن.
وتبرز عدة حلول لهذه التحديات التي تواجهها أسر كبار السن، ومنها ما تم تقديمه من قبل اللجنة الوطنية لكبار السن التي يرأسها المجلس الوطني لشؤون الأسرة، حيث أوصت اللجنة، في التقرير التقييمي للاستراتيجية الوطنية لكبار السن، بإقامة نوادٍ نهارية لكبار السن، ورصد مخصصات مالية استجابة لاحتياجات المسنين، وبناء موازنات مستجيبة للشيخوخة ضمن إطار الموازنة الحكومية.
وحتى لا تبقى هذه الاستراتيجية حبيسة الأدراج، يمكن للجهات المسؤولة عن تنفيذ الاستراتيجية تطبيق فكرة النوادي النهارية وتطويرها، حيث يمكن الاستفادة من طلبة الجامعات في تنفيذ هذه الفكرة، عبر جعل خدمة كبار السن في الأندية النهارية جزءاً من متطلب الخدمة الاجتماعية المطلوب من كل طالب وطالبة جامعية، كجزء من مسؤوليته الاجتماعية، وهو ما سيعزز حالة التكافل الاجتماعي ويؤدي إلى زيادة الروابط الاجتماعية بين الأجيال، وبناء هوية وطنية قائمة على التكافل والتعاون فيما بين الأجيال، بحيث يقوم الكبار بنقل أفكارهم وخبراتهم وما عاشوه إلى مجتمع الشباب، ويستطيع الشاب أن يساهم في الحفاظ على إرث الوطن عير مراعاة كبار السن.
ولتنفيذ هذه الفكرة بصورة تحقق المبتغى منها، من الضروري مساهمة القطاع الخاص، عبر تحمله مسؤوليته الاجتماعية، وتخصيص نسب محددة من الأرباح لترفد صندوقاً وطنياً يُنشأ لرعاية كبار السن، وتتم إدارته بالشراكة بين القطاع العام والخاص.
توسيع شبكات الأمان الاجتماعي يعتبر جزءاً من مسؤولية الحكومة، ولكنه كذلك مسؤولية على مختلف العاملين في الشأن العام بالإضافة إلى القطاع الخاص، وتطوير مستوى الرعاية الاجتماعية والنفسية لكبار السن سيجعل هذه الفئة من المواطنين تشعر باحترامها لذاتها، كون المجتمع والدولة قد وفرا لها سبل العيش الكريم، وهو ما يعني أن حالة المواطنة ستتعزز لدى فئة مهمة ومرجعية داخل الأسرة الأردنية، وسيجعل الشباب ينظرون للمستقبل بثقة أكبر، فيعملون بجهد أعلى لتعزيز ما هو موجود من رعاية كريمة لكبار السن، فإن كان الشباب يقومون اليوم برعاية كبار السن فإنهم بالغد سيحصلون على الرعاية الكريمة.
سمر حدادين، مديرة المندوبين لدى صحيفة الرأي الأردنية، وخبيرة بشؤون المرأة
يمثل هذا المقال آراء الكاتب ولا يعكس بالضرورة الموقف التحريري لمنصة شيزوميديا