مساحتنا

عندما تنكر المرأة نفسها

عبارة "اقعدي يا هند"، التي قالها نائب منذ سنوات، تحوّلت إلى نكتة لا تزال تُتداول حتى اليوم، والمؤسف أنها ستبقى حاضرة لسنوات قادمة، لأنها لم تكن مجرد جملة، بل نمط تفكير، وأسلوب تهميش، وإقصاء من نوع خاص

المرأة لم تعد تؤمن بالمرأة، لكن كيف سُرق إيمانها بنفسها؟

في اليوم العالمي للمرأة، نشر الباروميتر العربي استطلاعاً تضمن نتائج تستدعي الوقوف عندها مليًّا.

بين عامي 2021 و2024، لوحظ تزايد في تأييد الفكرة القائلة إن الرجال أفضل من النساء في المناصب القيادية السياسية.
وكانت أعلى نسبة تأييد لهذا الرأي في الأردن والكويت، حيث بلغت 74%
والمفاجأة أن هذا الرأي لم يكن صادراً عن الرجال فقط، بل عن النساء أيضاً!

فما الذي يفسر هذه النتيجة الصادمة؟

إن الشعبوية الذكورية تهيمن على السردية العامة إلى درجة أنها تسللت إلى سيكولوجية النساء أنفسهن.
وإذا استمر هذا التسلل دون مقاومة، فقد تتحول هذه الأفكار إلى “حقائق” راسخة تؤمن بها النساء قبل الرجال.

إننا اليوم أمام خطاب شعبوي متكامل يناهض مشاركة المرأة في الحياة السياسية،
وللأسف، أصبحت بعض النساء يتبنين هذا الخطاب ويروجنه لنساء أخريات.

بدلاً من تشجيع الكفاءات بين النساء والرجال على حد سواء،
يتم إقصاء المرأة لا لافتقارها للكفاءة، بل لوجود سردية مشككة بقدرتها من الأساس.

وعندما ترفض المرأة وجود امرأة أخرى في مراكز صنع القرار،
نكون بذلك قد دخلنا في حلقة مفرغة
تجعل فتاةً تلو الأخرى غير مؤمنة بقدرتها الذاتية، ولا بجدارة امرأة أخرى تمثلها.

ولا يمكننا إغفال دور شيطنة النماذج النسائية القيادية في المجتمع،
حيث تُصوَّر المرأة القيادية على أنها متسلطة، أو خبيثة، أو وصولية،
تضحي بأسرتها في سبيل طموحها، أو أنها عاطفية وضعيفة.
لكن الحقيقة أن هذه الصفات السلبية ليست حكرًا على النساء،
بل نجدها عند كثير من الرجال أيضاً.

وإذا أصبح الخطاب الشعبوي قادراً على جعل المرأة ترى ضعفها في عيون امرأة أخرى،
فنحن أمام أزمة حقيقية تهدد قدرتنا على بناء مجتمعات متوازنة
تؤمن بمشاركة النساء في كافة المجالات، وعلى رأسها السياسة.

عبارة “اقعدي يا هند”، التي قالها نائب منذ سنوات،
تحوّلت إلى نكتة لا تزال تُتداول حتى اليوم،
والمؤسف أنها ستبقى حاضرة لسنوات قادمة،
لأنها لم تكن مجرد جملة، بل نمط تفكير، وأسلوب تهميش، وإقصاء من نوع خاص.

وعندما تتحول هذه الفكرة إلى نكتة، وتُكرَّر باستمرار،
نصبح أسرى لدوامات اجتماعية خطرة، تشبه تلك العبارة تماماً

هذه ليست مبالغات، بل محاولات لفهم الواقع وضبط خطابنا،
لأن هذا الخطاب يساهم في تشويه عقول لا تزال في طور التشكّل والنضجوفي النهاية، المطالبة بوجود نساء في المناصب القيادية فقط لأنهن نساء،
هي فكرة خطيرة، لأنها تُشبه منطق “ملء الفراغ”،
فتصبح الغاية مجرد تمثيل شكلي للمرأة دون اعتبار للكفاءةوهنا لا نتفق مع هذا الطرح، لأن الأساس يجب أن يكون الكفاءة والمؤهلات،
لا النوع الاجتماعي فقط.
كما أن الترويج لمبدأ الاستحقاق بناءً على الجنس يزيد من التوتر والانقسام،
ويُهدر طاقات المجتمعات في صراعات فارغة .

للمزيد, شاهدوا الحلقة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
arArabic