مساحتنا

النخبة الليبرالية الأردنية

سائد كراجة: الصمت يجعل حتى فقاعتك الشخصية مهددة فاهم علي جنابك!؟

هل هي موجودة أصلا؟ النخب الليبرالية هي شخصيات أو تيارات فكرية ثقافية قادرة على تعظيم إنجازات وإيجابيات الواقع، في نطاق رؤية نقدية فكرية لتحديث هذا الواقع، تهدف هذه الرؤية للوصول  لرفاه الإنسان والمجتمع ضمن نظم وقيم أخلاقية منبثقة من الإيمان أن وسيلة إعمار الكون هو الفرد الحر المسؤول.

ومن أهم صفات النخب الليبرالية الوطنية أنها وهي تعمل على نقل المجتمع إلى مستقبل مستشرف من التحضر، تنطلق من قبول الواقع  كحالة إنسانية قائمة. 


والليبرالية في نشأتها الأوروبية المبكرة، قامت على تعظيم «السلوك الحضاري» بالمعنى العام، كالتأدب في الحديث، والتأدب في المظهر، واحترام الآخرين وخياراتهم الشخصية والاجتماعية، وعندما تطور التنظير للفكر الليبرالي، كانت حرية الفرد وتفرده، هي محور هذا الفكر، وحيث إن الحرية أصيلة في الإنسان ومناط إنسانيته وتكوينه الروحي والمادي والعقلي، فقد انتشر هذا الفكر إلى العالمية، وقد أطلق  المفكر العربي لطفي السيد على أتباعه في العالم العربي «الحرّيين» أي أتباع ومريدي الحرية.  


الليبرالية في شكلها الاجتماعي، تقوم على احترام  خيارات الآخر في سلوكه الاجتماعي، والاحترام هنا لا يشمل بالضرورة الموافقة والقبول لذلك السلوك، ذلك أنه في حقيقته احترام لحق الفرد باختيار سلوكه وحياته بغض النظر عن موقفنا من هذا السلوك، كل ذلك في نطاق مشروعية القوانين والأنظمة، طبعا المجتمعات تحكم أخلاقيا على سلوك الفرد ولهذا جزاء مختلف عن جزاء القانون الذي يصل إلى حد العقوبة على السلوك المخالف للقانون، أما المخالف للأخلاق فقد يواجه بالرفض والاستنكار والعزل لصاحب هذا السلوك ولكن لا يصل الى قمعه أو إيذائه، وصاحب هذا السلوك يتحمل تبعاته الاجتماعية!  


أما الليبرالية في شكلها السياسي فتعمل على أن تكرس قوانين الدولة حرية الفرد الشخصية والاقتصادية والاجتماعية، وترى أن دور الدولة الأساسي هو حراسة الحدود وتطبيق القانون الذي يجب ألا يتعارض مع منظومة حقوق الانسان، وفي الاقتصاد تؤمن الليبرالية بريادة الفرد واقتصاد السوق الحر المراقب، ذلك أن ما يُتداول عن السوق المتوحش هو من مفاهيم الرأسمالية وليس الليبرالية! 


وتقبل الليبرالية في شكلها المتطور إيلاء الدولة بخدمات عامة محددة، ومنها التعليم والصحة والمواصلات العامة، وأنا ممن يميلون لهذا الرأي! لكن الواقع المحلي والدولي يشهد بضرورة التوجس من تدخل الدولة خارج نطاق حماية الحدود وحماية الدستور وتطبيق القانون المتفق مع منظومة حقوق الانسان. 


النخب الليبرالية، وخاصة في المجال السياسي يجب أن تكون نخبا فاعلة في العمل والدعوة للتحديث والإصلاح السياسي والاجتماعي، ويجب أن تكون منخرطة في الأحزاب وفي الشان العام عموما، وهي نخب مناضلة مجاهرة بما تؤمن به وتعمل بكافة الطرق الى الوصول للمجتمع الحر على المستوى المحلي والدولي! وهي نخب لا تكتفي بأن تعيش في فقاعات حرية شخصية، بل تناضل من أجل تكريس حرية الفرد وخياراته الشخصية! ومن باب التوضيح فإن النخب والليبرالية عموما، تختلف مع اليسار في مفهوم العدالة الاجتماعية، حيث ترفض الليبرالية تحقيق العدالة بتوزيع أُعطيات على الناس وتوزيع ثروة ليست لهم، هذا التوزيع الذي يعزز الدور الأبوي للدولة التي غالبا ما تستغل هذا الدور لتتعدى على حقوق الأفراد وحرياتهم. 


الليبرالية تؤمن أن الطريق الأمثل لتحقيق العدالة الاجتماعية هو في تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، تكافؤ فرص في التعلم والصحة والمواصلات، وهذا الطريق الدستوري بتحقيق تكافؤ الفرص تتحقق العدالة الاجتماعية والاقتصادية دون تمنن بصدقات أو أعطيات، مع احترام كرامة الفرد والحيلولة دون افتئات الدولة على الحريات تحت شعار تحقيق العدالة الاجتماعية!


على الليبراليين الأردنيين الانخراط في الفعل السياسي العام والحزبي، والمجاهرة بمبادئ الفكر الحر والدفاع عن قيم الحرية والفردانية والسوق الحر المنظم، والدعوة  للعدالة الاجتماعية بتكافؤ الفرص وخاصة في التعليم والصحة والمواصلات، وعلى الجميع أن يعرف أن الحرية الشخصية الاجتماعية مهددة لا بل محاصرة نتيجة إحجام الحزبيين الليبراليين عن الدفاع عن الدستور وسيادة القانون وحرية الفرد الشخصية والجماعية وعن مبدأ تكافؤ الفرص، الصمت يجعل حتى فقاعتك الشخصية مهددة فاهم علي جنابك!؟

معاد نشره عن صحيفة الغد الأردنية
سائد كراجة محامي ومستشار قانوني

يمثل هذا المقال آراء الكاتب ولا يعكس بالضرورة الموقف التحريري لمنصة شيزوميديا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

arArabic